بسام القنطار
منذ أواخر عام 1960 بدأ مفهوم أجهزة القياس الحيوية بالانتشار، وقد ساعد تطور الأحداث خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وصولاً الى أوائل التسعينيات من القرن العشرين، بالتوصل الى تقنيات فنية جديدة للمقاييس الحيوية، مثل بصمة الأصابع واليد وفحص بصمة الوجه وشبكية العين وإثبات الشخصية بالصوت والتواقيع اليدوية. وقد اكتملت تلك القياسات الحيوية السابقة بقياسات فحص الحمض النووي (DNA) وبعض التقنيات الأخرى.
ولقد أعطت المقاييس الحيوية أو ما يسمى الخصائص البيومترية (Biometric)، ومن أشهرها بصمة الإصبع وبصمة الوجه وبصمة العين والبصمة الوراثية، أو ما يسمى الحمض النووي (DNA)، أبعاداً جديدة لعملية تحديد الهوية الشخصية. فقد مكنّت المختصين من استخدام الوسائل الحديثة والتقنيات الآلية المتطورة، من أجل تقديم درجة عالية من الدقة والأمان والشفافية في مسألة التحقق من الشخصية. ووجد العالم ضالته في تطوير أنظمة القياسات الحيوية المعتمدة على العنصر البشري، لإنهاء الاختراقات الأمنية وتقديم خدمة أفضل على المستوى الأمني للدولة والأفراد.
تتنوع استخدامات أنظمة القياسات الحيوية، ولعل أبرز هذه الاستخدامات في الشؤون الأمنية: أنظمة الأدلة الجنائية، أنظمة السجون، أنظمة جوازات السفر، أنظمة مراكز الترحيل (الجوازات)، أنظمة الرقابة والسيطرة على الحدود، أنظمة الأحوال المدنية، أنظمة الضمان الاجتماعي، أنظمة الانتخابات والتصويت وأنظمة مراقبة الحدود والمطارات. كما تمت الاستفادة من القياسات الحيوية في الأنظمة المدنية والخدمات العامة، مثل أنظمة التجارة وأنظمة مراقبة الدوام وأنظمة الصحة وأنظمة البنوك وأنظمة التأمين وأنظمة المنح والتخصيص وأنظمة التحكم في الدخول إلى الحاسب والإنترنت وأنظمة التعليم.
وحسب الدراسات والأبحاث العالمية، فإن اعتماد الحكومات حول العالم على النظم البيوميترية الحديثة سيدعم تقدّم وتطور مفاهيم التحوّل الإلكتروني وتعزيز مستويات الثقة بالتعاملات الإلكترونية، وظهور نماذج جديدة للأعمال والتجارة الإلكترونية بما يدعم اقتصاد المعرفة. وبالاستناد الى تقارير المنظمة العالمية للأنظمة الحيوية (IBG)، ارتفعت قيمة أنظمة القياسات الحيوية البيومترية في السوق العالمية خلال الفترة ما بين (2009–2014)، من ثلاثة مليارات دولار واثنين وأربعين مليوناً إلى تسعة مليارات وسبعة وثلاثين مليون دولار. أي أن النمو في هذا المجال في خلال السنوات الخمس الماضية زاد عن الضعف. وهذا النمو قادته كل من القطاعات الأمنية الحكومية، متمثلا في بطاقة الهوية وأنظمة الحدود ودخول الأماكن الأمنية والسجون، وكذلك القطاع الخاص الذي يطبّق تلك الأنظمة في دخول الموظفين وانصرافهم من المنشآت، وضبط المستودعات والبنوك والمستشفيات في صرف الأدوية والدخول إلى الأماكن الحساسة وغيرها. ويأتي في مقدمة القياسات الحيوية الأكثر استعمالاً، بصمات الأصابع بواقع 45.9 بالمئة، وتليها بصمة الوجه بواقع 18.59 بالمئة، وبعدها بصمة العين بواقع 8.3 بالمئة.
استجاب لبنان من جهته لتوصيات منظمة الطيران المدني الدولي “ايكاو”، التي أوصت بأنه يجب أن يصبح جواز السفر مقروءاً آلياً في كل دول العالم، على أن تمنع كل الجوازات المكتوبة يدوياً. وقد بدأ التحضير لإنجاز مشروع تحويل جوازات السفر المعمول بها حالياً في لبنان الى جوازات إلكترونية، في خطوة مهمة لمواكبة التطور ومماشاة العصر، نظراً لما يحويه الجواز الإلكتروني (البيومتري) من مزايا مختلفة، إذ سيزود برقاقة ممغنطة بحجم الـ “سيم كارد” معتمدة عالمياً، تحوي تقنيّة التعرّف على الوجه وبصمات أصابع اليدين العشرة. وهذا الأمر من شأنه أن يعزز حماية الأفراد والمؤسسات من الإحتيال وعمليات التزوير.
وسوف يتم إنجاز هذه الجوازات وطباعتها في مركز إصدار الوثائق “البيومتريّة” الذي تمّ استحداثه لهذه الغاية في المديرية العامة للأمن العام في بيروت، وهو مركز “يتمتّع بمواصفات أمنيّة عالية، على أن يتمّ تسليم الجوازات في مكان تقديم الطلب” حسب ما اعلن الأمن العام.
كما سيباشر الأمن العام بإصدار وثائق سفر “بيومتريّة” للاجئين الفلسطينيين وجوازات مرور “بيومتريّة” أيضاً لفئة قيد الدّرس ومكتومي القيد، ناهيك عن جوازات “بيومترية” خاصة للديبلوماسيين وغيرهم.
وسوف تبقى جوازات السفر الحاليّة غير “البيومتريّة” صالحة للاستعمال إلى حين انتهاء صلاحيّتها وحتى بعد إطلاق مشروع الجوازات الجديدة. وسيبقى العمل بالرسوم نفسها التي كان معمولاً بها لاستصدار الجواز القديم (60 ألف ليرة لمدّة سنة و300 ألف لمدّة خمس سنوات)، على أن تكون مهلة إنجازه مماثلة لمهلة إنجاز الجوازات القديمة (3 إلى 4 أيّام)، مع إمكان الاستحصال على واحدٍ فوريّ بواسطة دائرة العلاقات العامّة، حيث يستوفى عنه بدل رسم إضافي (حوالي 100 ألف ليرة لبنانية).
في المقابل، يتخوف النشطاء الذين يعملون على قضية الخصوصية من جواز السفر الجديد، لأن هذه الخطوة لا تترافق مع تشريع قانوني لحماية البيانات في لبنان، ويشدد هؤلاء على انه لا توجد ضمانات دستورية وقانونية حول قدرة الدولة ورغبتها بحماية المعلومات الشخصية للمواطنين، خصوصاً ان اي عملية قرصنة لاي بيانات رقمية في بلد مثل لبنان يمكن ان تحصل بسهولة، في مقابل صعوبة القرصنة في حالة الجوازات غير الإلكترونية.
لبنان يطلق مشروع الجوازات الإلكترونية … هاجس الخصوصية
